الرياضة
المدرب العراقي “هاوٍ” والأجنبي “محترف”:علي طارق ذياب يكشف المفارقة الصادمة في واقع الرياضة

هل التدريب الرياضي في العراق مجرد هواية وليس مهنة؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي طرحه علي طارق ذياب، المدرب الدولي وأمين سر الاتحاد العراقي المركزي لألعاب القوى، في لقاء خاص مع قناة البصرة BSR365. رسم ذياب بكلمات واضحة صورة للفوارق الشاسعة بين المدرب المحلي والأجنبي، مؤكداً أن غياب ثقافة الاحتراف والرواتب المُجزية يدفع المدرب العراقي للبحث عن أعمال أخرى، مما يحرمه من التفرغ الكامل والإبداع اللازم لتطوير الرياضة.
يوضح علي طارق أن مهنة التدريب لدى المدرب الأجنبي تُمثل عمله الوحيد ومصدر رزقه الرئيسي، وبالتالي فهو يتقاضى أجراً يكفيه لحياة كريمة، مما يمنحه تفرغاً تاماً لبرامجه التدريبية وتطوير أدائه. على النقيض من ذلك، يجد المدرب العراقي نفسه مُجبراً على العمل في وظائف متعددة، سواء كان سائق أجرة، أو موظفاً في مؤسسة حكومية كالجامعات، أو حتى صاحب محل تجاري، والسبب في ذلك الرواتب الضئيلة التي يتقاضاها من عمله كمدرب. هذا الوضع يُحول التدريب بالنسبة للمدرب العراقي من مهنة أساسية إلى مجرد هواية أو عمل إضافي، ويُفقده القدرة على التركيز الكامل والتفرغ لإعداد الرياضيين وإحراز الإنجازات المرجوة.
كما تطرق علي طارق إلى الاعتقاد الشائع بأن العراق بلد كروي بحت، نافياً ذلك بشدة. يرى أن هذه مجرد مغالطة، فإذا ما قُورنت إنجازات كرة القدم بما حققته ألعاب القوى ورفع الأثقال والملاكمة والمصارعة، لوجدنا أن الألعاب الفردية غالباً ما تتفوق في عدد الميداليات والأرقام القياسية المُحققة على المستويين العربي والآسيوي وحتى العالمي.
وعزا شعبية كرة القدم الطاغية إلى الدعم المادي الهائل الذي تحظى به، من أكاديميات مُتوفرة وملاعب عصرية وعقود احترافية ورواتب مُجزية للاعبين تصل إلى عشرات الملايين من الدنانير. هذا الدعم، للأسف، غائب تماماً عن الألعاب الفردية، التي تفتقر لأبسط مقومات البنية التحتية، مما يدفع العديد من المواهب الواعدة للنفور من هذه الرياضات أو التوقف عن ممارستها بسبب غياب الحوافز.
لتحقيق إنجازات دولية تضع العراق على خارطة الألعاب الأولمبية وبطولات العالم، يؤكد علي طارق على الحاجة الماسة إلى دعم مالي وحوافز حقيقية للرياضيين والمدربين على حد سواء. لا يمكن تصور أن يحقق رياضي ميدالية على مستوى قارة آسيا، ثم يتقاضى مبلغاً زهيداً لا يكفي لشراء المكملات الغذائية الأساسية، بينما يحصل نظيره في الدول الأخرى على مبالغ مليونية. ويشمل ذلك أيضاً توفير بنية تحتية متكاملة، من ملاعب متخصصة وتجهيزات حديثة، وبرامج تغذية سليمة، ووسائل نقل مناسبة. الأهم من ذلك، ضرورة تفرغ الرياضي والمدرب لعملهما الرياضي دون أي معوقات مادية أو ضغوط تُشتت انتباههما. وفي هذا السياق، أشار إلى بوادر إيجابية حديثة، خاصة من اللجنة الأولمبية العراقية برئاسة عقيل مُفتن، التي بدأت في تقديم حوافز ودعم للألعاب الفردية، وهو ما يبعث على التفاؤل بمستقبل أفضل.
في حديثه، استعرض علي طارق ذياب مسيرته الشخصية الحافلة بالإنجازات، بدءاً من كونه لاعباً في ألعاب القوى ببغداد، حيث حطم أرقاماً قياسية وحقق ميداليات برونزية في بطولة شباب آسيا وذهبيات في البطولات العربية والعراقية في الوثب الطويل والثلاثي. بعد اعتزاله اللعب، انتقل إلى مجال التدريب، وحصل على الدبلوم العالي من ألمانيا، ثم ارتقى ليصبح محاضراً دولياً معتمداً من الاتحاد الدولي، وهو اللقب الذي يحمله وحده في العراق. قاد العديد من الدورات التدريبية الدولية في العراق وخارجه، وحقق كمدرب إنجازات بارزة، منها تحطيم الرقم العراقي في القفز العالي الذي صمد لأكثر من 30 عاماً، وذلك بصحبة الرياضي حسين فلاح. وإلى جانب مسيرته الرياضية والتدريبية، يتمتع علي طارق بخلفية أكاديمية وإدارية مُميزة، حيث يحمل شهادة الدكتوراه وشغل مناصب إدارية رفيعة في الجامعات ووزارة التعليم العالي.
ختاماً، دحض علي طارق ذياب النظرية الشائعة التي تصف اللاعب العراقي بأنه “غير منضبط”. موضحاً أن “الانضباط يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة والظروف المُتاحة.” فإذا توفر للرياضي العراقي ما يتوفر لنظيره في الدول المتقدمة من رواتب وتغذية وتجهيزات وملاعب، فإنه سيكون “منضبطاً وصاحب إنجازات عالمية.” وأكد أن التقصير في توفير هذه الأساسيات من قِبل الجهات المعنية هو السبب وراء أي تراجع في الانضباط أو الأداء، وليس ضعفاً في إرادة اللاعب العراقي نفسه.
يرى علي طارق ذياب أن مستقبل الرياضة العراقية، وخصوصاً الألعاب الفردية، يتطلب تحولاً جذرياً نحو الاحتراف وتوفير كل سُبل الدعم لتمكين الرياضيين والمدربين من التفرغ والإبداع والوصول إلى منصات التتويج العالمية.