تحقيقات
حين يدق الطبل الأخير متحدياً التكنولوجيا..مسحراتي بصراوي يوفي بنذره منذ ثلاثة عقود

قناة البصرة BSR365 – خاص
رغم التطور التكنولوجي وعصر الهواتف الذكية واندثار الكثير من التقاليد الأصيلة، ما زال تراث “المسحراتي” (أبو طبيلة) يقاوم الاختفاء في البصرة. وفي قلب هذا المشهد المتلاشي، يحرص أبو حسن الأسدي على دق الطبول قبيل السحور، إيفاءً لنذرٍ قديم نذره على نفسه منذ عقود، متحدياً بذلك كل محاولات الزمن لطي صفحة هذا التراث العريق.
في منطقة القبلة بحي القائم، يتجول أبو حسن الأسدي في شوارع البصرة حاملاً طبلته التقليدية، مردداً نداءات موروثة عن الأجداد تُذكِّر الصائمين بوجبة السحور. بدأت رحلته عام 1995 كنذر عليه، منطلقاً من منطقة الشمشومية في حي الخضراء، برفقة المرحوم أبو محمد الفريجي عبد الواحد.
عندما انتقل إلى القبلة عام 2000، كانت المنطقة مختلفة تماماً – شوارع ترابية متعبة وشبكة كهرباء متهالكة. لكن هذه الظروف لم تمنعه من مواصلة رسالته. حتى في ليالي المطر البارد، كان يخرج حاملاً “أبو طبيلة” بعزيمته المعهودة.
“صحيح أن هناك هواتف نقالة وتلفزيوناً الآن، لكن لأبي طبيلة طعم خاص لا يمكن تعويضه،” يقول أبو حسن لمراسل قناة البصرة BSR365 وهو يروي إحدى ذكرياته المميزة عندما تغيب عن الدوام. فقد اعتاد بعض الجنود الاستيقاظ على دقات طبلته، وحين ذهب لزيارة مرقد الإمام علي (ع) في ذكرى استشهاده، تأخروا عن دوامهم لأنهم لم يسمعوا الدقات المعتادة.
مع مرور السنين، أصبح أبو حسن جزءاً أساسياً من نسيج الحياة الرمضانية في منطقته. ينتظره الأطفال بلهفة، وتستقبله العائلات بالشربات والفواكه، تعبيراً عن امتنانهم لإحيائه هذا التقليد الذي بدأ ينقرض في العديد من المناطق الأخرى.
قبل خروجه، يتبع أبو حسن طقوساً خاصة: “أتوضأ وأقرأ سورة الفاتحة وأهديها لأم البنين (ع) كي يسهل الله أمري في خدمة منطقتي.” ويختم جولته عند الحسينية بعد الأذان، مكملاً بذلك دورة ليلية من الخدمة المجتمعية.
تطورت أدوات المسحراتي مع الزمن، من “تنكة” بسيطة إلى “دمام الموكب” الأكثر صخباً، لكن النداءات التقليدية ظلت محافظة على أصالتها: “سحور اقعد يا صايم، خلِّ المفطر نايم، هذا شهر رمضان شهر الطاعة والإيمان، واللي ما يصوم خسران، يا سامع الصوت صلِّ على النبي. (ص)”
ينصح أبو حسن الشباب بالتمسك بهذا التراث الأصيل، وعدم التهاون في أدائه أو تشويهه. فهذه ليست مجرد مهمة عابرة، بل رسالة إيمانية وتراثية تستحق الاحترام والاستمرارية، كما يروي لنا قصته.
وحتى عندما أصيب في قدمه، رفض أبو حسن التوقف عن مهمته. “أنا ما أريد أقطع هاي السنين أو التقليد،” يقول بإصرار، مؤكداً أن دافعه ليس المال أو شيئاً آخر، بل الأجر والثواب.
وهكذا، يستمر أبو حسن الأسدي محافظاً على تراث المسحراتي في البصرة، متحدياً الزمن والتكنولوجيا، ومتمسكاً بجذور الماضي في عالم سريع التغير.