تحقيقات
هل الجريمة لا بد لها من العقاب؟قراءة في رواية فيودور دوستويفسكي
د.وسن مرشد محمود
جامعة تكنلوجيا المعلومات والاتصالات.
أسست عنونة رواية (الجريمة والعقاب) دلالة متوازنة ؛ كونها ربطت بين مفهومية موازنة الفعل وعقابه، فالجريمة بأي انواعها لابد لها من جزاء عقابي ، وقد عمد الروائي إلى توظيف لغة مباشرة ، ومفهومة تبتعد عن التعقيد اللفظي والرمزي، والمواربة. وهي رواية للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي ، نشرت بمقطعات مقالية قسمت إلى اثني عشر مقالاً شهرياً في عام 1866 ، من ثم تم نشرها بصيغة رواية متكاملة . ويتميز اسلوبه بالقدرة على التعبير عن الذات البشرية ، وهي انسانية ونزعة فلسفية بدت واضحة في اعماله الأدبية جميعها. وسجل بطل الرواية الشاب حظوره الفعلي ، فهو شاب جامعي يسمى بـ( روديون رومانوفتش راسكولينكوف)،صديقه المميز (ديمتري) ، ويعد (روديون) مثقف إفكاره منفتحة وجريئة تبتعد عن التعقيد وتتجه بإزاء الانفتاح الفكري الجريء ، وهذا الانفتاح اودى به إلى قتل العجوز السكير…والد (صونيا ) وهي الابنة الكبرى له، صفاتها لا تتطابق مع ابيها فهي فتاة خجولة تمتلك من البراءة الشيء الكثير ، إلا أنها تمارس التابو (البغاء) لغرض مساعدة اهلها. بروفيري بيتروفيتش: المحقق المسؤول عن حل قضية اليونا إيفانوفا المرابية العجوز وأختها إليزبيث. و اعتمدت الرواية في بنائها على تقسيم البشر إلى نصفين متساويين – كمناصفة تقسيم العنونة –هم إناس عاديين وغير عاديين وهؤلاء هم من نسب اليهم التفوق والتميز وهي معادلة حقيقية للحياة الآنية التي نعيشها كونهم يحق لهم تجاوز كل ما هو غير مسموح به كتجاوز القانون ، وممارسة الخرق المعلن لكل شيء حتى وان تطلب الأمر المشي فو ق الجثث الهامدة ، والدماء …وهي صورة قريبة جداً لواقع معاش بصوره اليومية . وناقشت الرواية قضية الصراع النفسي الذاتي ، والداخلي لبطلها الذي اصابته حُمى اودته طريح الفراش عقب قتله لكبيرة السن ليتعافى منها –الحمى- جسدياً ، ولتلازمه الحمى العقلية ..وهي صورة للعالم اجمع بإن المجرم ينال عقابه .. وجاءت ثنائية( الألم والشجن) صورة نمطية مطابقة لمعاناة الإنسانية كافة ، بالأخص (صونيا) التي باعت جسدها مقابل اطعام اخوتها من ابيها ، وامهم بعد إن جلب لهم الاب هذه المعاناة الابدية …التي باتت كشبح الموت الذي يترصد الجوع والعوز والفقر… ولتسلط الرواية جانباً من مساوىء المجتمع الروسي في هذه المدة ، وكيف ادى هذا الأمر إلى تفاوت طبقات المجتمع . و السؤال المهم الذي قدمته الرواية : هل قتل الإنسان للإنسان جريمة؟ وهنا تختلف الأجابة بين ان تكون(نعم) او (لا)، و(الخير) او (الشر) ثنائيات تطلقها الرواية ليبدأ البطل بالبحث عن إجابة لها …من هذه الثنائية انطلق بطل الرواية إلى ارتكاب جريمة قتل انطلق بفكرتها من دوافع اجتماعية وإنسانية؛ لأنه اقدم على قتل إنسانة مجرمة سيئة اطلق عليها تسمية (القملة) بصورة عمدية كون القملة كائن ضار وسيء للإنسانية وهي حيوان طفيلي ضار.. امتازت هذه العجوز بامتلاكها للمال من دون نفع ذاتها ونفع الغير واعتبر قتلها فعل ينتمي لجانب الخير لا الشر ، ولا يحمل صورة العقاب ، بل فعل خير لأنه خلص الإنسانية من كائن ضار ومؤذي. ويجد الكاتب إن أي ضرر يحيط بالإنسان لابد من تصنيفه ضمن زاوية الجريمة ،التي لا يقتصر فعلها على القتل فقط ، أنما هو حالة نفسية داخلية وخارجية مؤثرة على الذات البشرية اولاً . .التي تتأثر بالفقر، والعوز، والفساد . أضيف، بأن الشخصيات الورقية تحمل مهمة عظيمة ، ورسالة غاية في الدقة ؛ كونها تنطق عن كل ماهو مسكوت عنه ، وممنوع ، وبالمقابل تحرص على نقل كل ماهو مباح ومعلن ، بلغة اجتماعية تتيح الطريق امام المثقف والغادي لفهم المطلوب ، وايصال الفكرة او الهدف من هذا النتاج.