تحقيقات
توزيع الجيران للطعام..إرث عاشورائي تنوعت أطباقه وأهدافه
قناة البصرة BSR365
في أيام شهر محرم، قد تُفاجأ بطرقٍ على بابك في غير موعد. عند فتحه، تجد أطفالًا من الجيران يرتدون ملابس سوداء، يحملون أطباقًا من الطعام يقدمونها إليك. وعندما تسألهم عنها، يجيبونك ببراءة أصواتهم الطفولية: “تفضلوا ثواب عاشوراء.. خذوا الأكل وأعيدوا لنا الماعون”.
تحرص العائلات والمواكب على توزيع الطعام كإرثٍ تحافظ عليه الأجيال، وهو سمة بارزة من سمات أيام عاشوراء لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام).
تحدثت عائلات عن جمعها للأموال سنويًا في صندوق خاص يُسمى عادةً “صندوق ثواب عاشوراء” لشراء مواد الطعام واللحم وتوزيعها مجانًا أيام شهر محرم.
أوضحت العائلات لقناة البصرة BSR365 أن الهدف من ذلك هو التبرك وطلب الثواب والعزاء والمواساة لآل رسول الله باستشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه.
الحاجة فوزية أم علي، من أهالي البصرة، واحدة من الأمهات العراقيات اللواتي يعتبرن توزيع الطعام جزءًا أساسيًا من حياة عائلاتهن في شهر محرم. ورثت هذا العطاء من عائلتها منذ الصغر.
عززت أم علي مفهوم توزيع الطعام بأهداف سامية في مساعدة العائلات المتعففة، فذلك يمثل لها نوعًا من التكافل الاجتماعي، إلى جانب كونه عملًا تتقرب به إلى الله وتطلب به التودد إلى الزهراء (عليها السلام) باستشهاد ابنها الحسين (عليه السلام).
لكنها هذا العام ارتأت أن تتفق مع مطعم يجهز لها الطعام بدلًا من تحضيره بسبب تراجع وضعها الصحي.
ويبلغ توزيع الطعام ذروته في اليوم السابع من شهر محرم، المخصص لاستذكار استشهاد أبي الفضل العباس (عليه السلام)، حتى إن بعض العائلات تقدم نوعًا من الخبز باللحم والخضار في ذلك اليوم يُسمى خبز العباس.
أما الحاجة أم حسين الموسوي، فتقول إنها نذرت على نفسها شراء ذبيحة وتوزيعها على شكل قطع لحم على الجيران والعائلات المتعففة، لأن الله سبق أن قضى لها حاجة مهمة، وهي كل عام توفي بنذرها في اليوم السابع من محرم.
وتتنوع الأطباق الموزعة بين الجيران مثل الهريسة والقيمة والشوربة وأطباق الأرز والعدس والتمور والألبان وقطع اللحم المشروح.
المواكب الحسينية التي نصبت قدورها الكبيرة في الأحياء والشوارع الرئيسية بالمناطق تحرص أيضًا على توزيع الطعام مجانًا على المارة والعائلات، وتستمر حتى أوقات متأخرة من الليل في هذا العطاء، في مراسم تضفي نكهة خاصة لأيام محرم.
توزيع الطعام في عاشوراء بالعراق ليس مجرد عادة غذائية، بل هو تجسيد حي لقيم التكافل والتراحم. إنها لحظات سنوية يعشقها الصغار قبل الكبار، تُذكِّر الجميع بأهمية العطاء والتضامن، مجسدةً روح المجتمع العراقي الأصيلة.