في أقدم أسواق البصرة:خباز يروي ستة عقود من تحولات مهنة التنور

عندما بدأ كاظم عبد الزهرة مشواره في صناعة الخبز بسوق العشار، كانت أفران المخبز تنتج 14 ألف رغيف يومياً لإطعام مدينة نابضة بالحياة. اليوم، وبعد ستة عقود، تكاد الأرقام تنخفض إلى السُدس. هنا، من قلب أقدم أسواق البصرة، يحكي هذا الخباز الستيني حكاية حرفة عريقة تقاوم رياح التغيير.يقف كاظم بين معدات مخبزه المتهالك الذي تأسس منذ ستينيات القرن العشرين، مرتدياً طاقيته البيضاء والقميص المخطط. بدأ حياته كـ”بادور” (مبتدئ) ينظف المخبز، قبل أن يتدرج في الحرفة التي توارثتها الأجيال. يستذكر بنبرة حنين: “كبار مطاعم المنطقة – الخيام، الأمل، الساعة، أربيل – كلها كانت تعتمد على خبزنا”.سوق العشار مازال نابضاً بالحياة ومتجدداً، لكن كاظم يرصد تحولات عميقة في مهنته: “الناس تخطو باتجاه مختلف اليوم”، يقول وهو يتحدث لقناة البصرة 365. “العشار قوي ومستمر، لكن الزبون بدّل عاداته وأذواقه”.صناعته شهدت تغيرات جذرية: “الغلاء دفع قسم من العائلات للخبز بالبيت، والشباب يفضلون السندويشات السريعة على خبزنا البلدي”.سعر كيس الطحين قفز من 100 دينار قديماً إلى 37 ألف دينار اليوم، والوقود من دينارين إلى 30 ألف يومياً. “دفعت 3 ملايين للضرائب وتصاريح الوقود ولم أر منها شيئاً، وصرنا نتكل على قناني الغاز الغالية والخطيرة”.في زاوية المخبز، يعمل اثنان من أبناء كاظم وابن أخيه خلف الواجهة الزجاجية: “ما أردت لأولادي أن يدخلوا هذه المهنة الصعبة، لكن الأمور تشابكت والفرص ضاقت”.مع كل رغيف يخرجه من الفرن، يحافظ كاظم على أصالة الخبز البصري: “زبائن يقطعون المسافة من الزبير ومن أبي الخصيب مخصوص لخبزنا، عائلات عرفناها من عشرات السنين”.”الخبز جزء من هويتنا،” يقول كاظم وهو يلوح مودعاً لزبون قديم. “في العشار، نصنع أكثر من مجرد طعام، نحافظ على تراث.” ورغم ارتفاع التكاليف والتحديات اليومية، تبقى مخابز البصرة التقليدية شاهدة على أصالة المدينة وقدرتها على التجدد والاستمرار، مثلها مثل سوق العشار النابض بالحياة.