العراق اليوم
تنفيذ سري ودفن في الظلام..ضابط أمن سابق يكشف دور البكر وصدام في إعدام البصري “العدو الأول” لنظام البعث

في اعترافات صادمة أدلى بها أمام الجهات التحقيقية، كشف خير الله حمادي عبد جارو، اللواء السابق في مديرية الأمن العامة، عن تفاصيل إعدام الشيخ عارف البصري ورفاقه الأربعة عام 1974، مؤكدًا أن القرار لم يكن قضائيًا، بل سياسيًا محضًا، اتخذه الرئيس العراقي آنذاك أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين حتى قبل اعتقال البصري.
البصري.. “العدو الأول للنظام”
وفقًا لشهادة المجرم حمادي، كان الشيخ عارف البصري شخصية ذات تأثير كبير، يتمتع بوعي إسلامي متقدّم وخطابة مؤثرة جذبت الشباب، مما جعله هدفًا مباشرًا لنظام البعث. وقد وصفه ضباط الأمن آنذاك بأنه “القنبلة الموقوتة في الكرادة الشرقية”، وهو ما دفع مدير أمن بغداد آنذاك، عبد المحسن خليل (المقيم حاليًا في قطر)، إلى إصدار أوامر سريعة باعتقاله إلى جانب 30 شخصية دينية وقيادية في حزب الدعوة الإسلامية.
وكشف حمادي أن التحقيق مع البصري ورفاقه كان بقيادة نوري علي فهد (الموجود حاليًا في تركيا)، وهو أحد أشد الضباط قسوة، حيث وُجّهت إليهم اتهامات جاهزة تتعلق بـ”التحريض على التظاهرات لإسقاط النظام”، وهي تهمة كانت عقوبتها الإعدام المحتوم.
إعدام سري في سجن أبو غريب
في 25 ديسمبر 1974، تم تنفيذ حكم الإعدام بالشيخ عارف البصري ورفاقه الأربعة، وهم:
السيد حسين جلوخان
السيد عز الدين القبانجي
السيد عماد الدين التبريزي
السيد نوري طعمة
وكانت المحاكمة صورية بالكامل أمام محكمة الثورة سيئة الصيت، حيث أراد النظام إخماد أي حركة معارضة داخل الأغلبية الشيعية. ووفقًا لحمادي، فإن البكر وصدام قررا تنفيذ الإعدام الفوري لخمسة فقط من بين 30 معتقلًا، خوفًا من تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي كانت تطالب بالإفراج عنهم.
مصير الجثامين والتعتيم الإعلامي
وعن مصير جثامين الشهداء، كشف حمادي أن النظام نقلها من سجن أبو غريب إلى معهد الطب العدلي وسط إجراءات أمنية مشددة، إلا أن الغضب الشعبي كان واضحًا، حيث حاول عدد كبير من طلبة الجامعات التجمع أمام المعهد.
لكن السلطات رفضت تسليم الجثامين، خشية أن يتحوّل التشييع إلى مظاهرة كبرى ضد النظام، ليتم دفنهم سرًا في مقابر النجف، تحت حراسة أمنية مشددة، وفي وقت متأخر من الليل. كما مُنعت عوائل الشهداء من إقامة أي مجالس عزاء، وتعرضوا لتهديدات مباشرة بالقتل في حال خالفوا الأوامر.
صلابة البصري أرعبت المحققين
رغم وحشية التحقيق، أكد حمادي أن الشيخ عارف البصري ورفاقه أظهروا شجاعة استثنائية، مما أرعب المحققين أنفسهم، لدرجة أنهم باتوا يتحاشون استجوابهم. وأوضح أن بلاغة البصري وقوة حجّته جعلت الضباط يحبسون أنفاسهم في كل جلسة تحقيق.
وختم المجرم شهادته بالإشارة إلى أن إعدام البصري ورفاقه لم يكن مجرد قرار انتقامي، بل كان جزءًا من سياسة ترهيب ممنهجة، أراد من خلالها البكر وصدام إسكات أي معارضة شيعية وإرسال رسالة رعب إلى النشطاء والمتظاهرين في بغداد والمحافظات.