ماء وفلافل وقلب كبير.. حكاية مهندس بصري تخلى عن مهنته ليطعم الفقراء

صاحب “البسمة الدائمة” و”الطعام والماء المبارك”، هكذا يعرفه أهل السوق. لكن خلف هذه الألقاب تكمن قصة مهندسٍ مدنيٍّ اختار أن يترك عالم الخرسانة والخرائط، ليصنع من مطعمه الصغير في سوق البصرة القديم واحةً للكرم والإنسانية. إنه السيد ناصر الموسوي، الذي تحول من تصميم المباني إلى بناء الجسور مع قلوب الناس.حصل السيد ناصر على شهادة الهندسة المدنية عام 1981م، غير أن مسار حياته تغير جذرياً عام 1983م إبّان حرب الثمانينيات. وبعد تجربةٍ مريرةٍ في الأسر وظروفٍ عصيبة، وجد نفسه يبحث عن طريقٍ جديدٍ في الحياة.وبفضل دعم والده الصيدلانيّ ومبلغ عشرة آلاف دينارٍ ورثها من إخوته، قرر السيد ناصر افتتاح مطعمٍ صغيرٍ لبيع الفلافل والسمبوسة. لم يكن القرار هيّناً لمهندسٍ مدنيّ، لكنه أثبت أنه الاختيار الأمثل.”النجاح لا يقتصر على الشهادة وحدها، بل يتطلب الإخلاص والعمل الدؤوب”، يقول السيد ناصر، الذي جعل النظافة والجودة شعاراً لمطعمه. واليوم، يرتاد مطعمه أبناء المجتمع من مختلف الطبقات.وما يميز مطعم السيد ناصر ليس مذاق طعامه الشهيّ فحسب، بل دوره الإنسانيّ والاجتماعيّ أيضاً. فهو يقدم يومياً خمسين وجبةً مجانيةً للمحتاجين، ويسقي العطشى الماء البارد، مستلهماً ذلك من قيم أجداده المنتسبين لآل البيت عليهم السلام. ويقول مبتسماً: “لو كنتُ موظفاً في مجال الهندسة، لما استطعتُ مساعدة الناس بهذه الطريقة”.زبائنه تحدثوا عن طيبة قلبه وكرمه بين أهالي السوق، إذ يعامل جميع زبائنه بالقدر نفسه من الاحترام والمودة، صغيرهم وكبيرهم. فمطعمه ليس مجرد مكانٍ لتناول الطعام، بل تحول إلى ملتقىً يجمع أطياف المجتمع البصريّ كافة.واليوم، بعد عقودٍ من العمل، يؤكد السيد ناصر أنه لا يأسف على ترك مهنة الهندسة. ويختم حديثه بابتسامةٍ راضيةٍ قائلاً: “أشعر براحةٍ نفسيةٍ دائمة، لأنني أقدم شيئاً نافعاً للناس”.تؤكد قصة السيد ناصر أن النجاح لا يقتصر على الشهادات الأكاديمية، بل يتعداها إلى القدرة على خدمة المجتمع والتأثير الإيجابيّ في حياة الآخرين.